Avsnitt

  • Saknas det avsnitt?

    Klicka här för att uppdatera flödet manuellt.

  • لو سألتَ أتباعَ خُرافةِ التَّطوُّر: ما أوضحُ أمثلةِ التَّطوُّر عندكم؟

    لقالوا لك: تطوُّر الحيتان

    يقولون: العظامُ الخلفيَّةُ في الحوت؛ ففي مؤخِّرة الحوت عَظْمَتان لا فائدة لهما، فواضحٌ أنَّهما بقايا عظام حوضٍ ورِجلين لحيوانٍ بريٍّ عاش قبل (52) مليون سنةً، ثم حصلت له طفَراتٌ عشوائيّةٌ وانتخابٌ طبيعيٌّ إلى أن تحوَّل إلى الحوت الذي نراه، وبقيت هاتان العظمتان شاهدتَيْن على الصُّدَفِيَّة واللاقَصديَّة، فلو كان اللهُ قد خَلَقَ الكائنات، فلماذا يضعُ في الحوت عظامًا بلا فائدةٍ؟!

    ولعلَّ أوَّل مَن وَصفَ هذه العِظام أنَّها بلا فائدةٍ كتاب (Biology by Curtis and Barnes) عام (1989) قائلًا أَنَّها: "useless vestiges" أي: (بقايا أثريّةٌ بلا فائدةٍ)، ثُمَّ تَبِعَهُ على وَصْفِ هذه العِظام أَنَّها (بقايا بلا فائدةٍ) معظمُ إن لم يكن كُلُّ كُتبِ عِلم الأحياء في الجامعات الغربيَّة، والمُعْتَمَدةِ كذلك في الجامعات العربيَّة، مثل كتاب (Glencoe Biology) وكتاب (Modern Biology) وكتاب (Biology By Raven and Johnson) وغيرُها، وغيرُها.

    ولا تكاد تستمِع لأحدِ عَرَّابي الخُرافة إلَّا ويَتكلُّم عن هذه العِظام مُنتشيًا كدليلٍ على التَّطوُّر، مثل (جيري كوين): [لدينا أعضاءٌ كثيرةٌ فاقدةٌ للوظيفة، والتي لا يمكن تفسيرها إلا من خلال التطوُّر، وهذا أحدها، إذا نظرت إلى الهيكل العظميِّ للحوت في متحف التاريخ الطبيعيِّ، سترى عظمتيّ الأرجل هاتَيْن، لماذا هي موجودةٌ؟ لا يبدو أنَّ لها أيَّةَ وظيفةٍ] و(ريتشارد دوكنز): [الغريب أنَّك إذا نظرت بعمقٍ داخل الحوت، فستجد أعضاءً بلا فائدةِ، آثارًا لأرجلٍ خلفيَّةٍ، وهي عظامٌ صغيرةٌ تشكِّل بقايا أرجلٍ خلفيَّةٍ لأسلاف الحيتان، كانت تستخدمها للمشي].

    ثمَّ ماذا حصل؟

    معقولٌ؟! أيْ لها فائدةٌ؟ ليس فائدةً فقط، بل لا بُدَّ منها للتكاثر، ولولاها لما وُجِدت هذه الحيتان حتى قال هذا الموقع [USC New]: (دراسةٌ حديثةٌ قَلبَتْ مُعتقدًا تطوُّرِيًّا عريقًا رأسًا على عقِب، بإثباتها أنَّ عظام الحوض لها دورٌ مهمٌ في التَّزاوُج) وهذا موقع (Smithsonian) المتعصِّب جدًّا للخُرافة يُعَنْوِن: "الحيتان تستفيد مِن عظام حَوضِها".

    حسنًا ممتازٌ هل اعترفَتْ هذه المواقع إذَنْ بأنَّ هذا يُضعِف خُرافةَ التَّطوُّر، بعد انهيار دليلٍ كانوا يُعوِّلون عليه كثيرًا؟

    لا، بلا شكٍّ! بل حَشَرَتْ كلماتٍ تطوُّريَّة: تطوُّريٌّ "evolutionary"، وتَطوَّر "evolved" في مَطْلع مقالاتِها، وعَزَتْ للتَّطوُّر الفضلَ في هذه العظام ووظيفتها.

    ومع ذلك، نحبُّ أنَّ نقول لهذه المواقع الكثيرة الَّتي نشرَت الخبَ، فالورقةُ العِلميَّة لمجلَّة إيفولوشن (Evolution)، الّتي أثارت هذه الضَّجّة لم يكن موضوعُها إثباتَ أنَّ عظامَ الحوض أساسيَّةٌ في التَّزاوج، بَلْ هذه حقيقةٌ مسلَّمٌ بها معروفةٌ مُنذ القِدَم، كما يتَّضِحُ مِن مقدَّمات هذه الورقة.

    مقدمة الورقة العلمية تَنُصُّ على أنَّ كثيرين توهَّموا أنَّ هذه العِظام بلا فائدةٍ، وأنَّ ذلك ليس صحيحًا؛ لأنَّها مُهِمةٌ للتَّزاوج وبدأوا يشرحون أهمِّيتها المعروفةَ أصلًا للتَّزاوُج، وأسماءَ أبحاثٍ علميَّةٍ، (11) بحثًا علميًّا تُفصِّل في هذه الأهميَّة، ووضع الباحثون رسمًا يبيِّن ارتباط هذه العظام بالأعضاء التّناسليَّة في الحيتان.

    ...................

    عام (2018) أي قبل شهورٍ أو أسابيع من الآن فقط أصدرت الطَّبعة الخامسة من كتاب (Essentials of Biology) مِن مطبوعات (ماك جرو هيلز) "McGraw-Hill’s" العالميَّة المعروفة، وللأمانة لم يُكرِّروا نَفس الكِذبة، كفى، فرائحتُها قد فاحَتْ، فماذا فعلوا؟ هل اعترف المؤلِّفون بأنَّ هذهِ العِظام أساسيَّةٌ لبقاءِ الحيتان،

    وتجدُ كتابَ الـ (2018) يكرَّرُ كِذبةً أُخرى عن البُرُوزات في مؤخِّرة الأَفاعي، فيدَّعي أنَّها بقايا تطوُّرِيَّةٌ بلا فائدةٍ، بقايا لأرجلِ كائنٍ رباعيِّ الأطراف تطوَّرَت عنه الأفاعي، نفسُ الكِذبة التي تُكرِّرها كتبٌ أخرى مُعتمدةٌ، مع أَنَّه مُكتَشَفٌ أيضًا منذ (40) عامًا على الأقلِّ، في أبحاثٍ عِلمِيَّةٍ منشورةٍ أنَّ هذه البُروزات: خطَّافاتٌ أو سبيرز "spurs" تساعدُ الأفاعي أثناء التَّزاوج وفي الصِّراع بين الذُّكور، وليست أَرجُلًا بلا فائدةٍ، كما يروِّج مُحتَقِرو عُقول النَّاس.

    ربَّما علينا أنْ ننتظرَ (130) سنةً أخرى؛ لتُخبِّئَ الكتب هذه الكِذبة، وتطوي صفحتَها، ريثما تكون قد اكتشفتْ كِذْباتٍ جديدةً تُبقي الخرافةَ معلَّقةً على جُسورها فلا تسقط، وهكذا يَبحثُ أتباعُ الخرافة عن أيِّ بروزٍ في أيِّ كائنٍ ليقولوا: "بقايا تطوُّرِيَّةٌ بلا فائدةٍ".


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • وانظروا إخواني كيف أنّ ما يجعل منه البعض شُبهةً يَتحوّل بالعِلم إلى دليلٍ جديدٍ على عظمة الله تعالى؛ رأينا ذلك في شبكيّة العين وغيرها -الحلقةَ الماضيةَ-، وها نحن نراه في جناحي البطريق الذي اتّخذ منه أتباع الخُرافة شُبهةً وهو مليءٌ بآيات العَظَمة، والحِكمة، والقُدرة.

    ماذا عن النّعام؟

    لديه أجنحةٌ ولا يَطير أيضًا، كلِّفْ نفسك أيّها السّائل أن تتابع برنامجًا وثائقيًا لترى هذا الطّائر الذي تصل سرعته إلى (80) كيلومترًا في الساعة كيف يَستخدم أجنحته كمَكابح لتخفيف سرعته، والدّوران المُفاجئ أثناء المطاردات، أو الهربَ من الافتراس، كيف يَستخدم أجنِحته لتخويف الحيوانات التي تعتدي على بيوضه، وللاستعراض عند التّزاوج، وغيرِها، وغيرها..

    -----------------------------------

    ثمّ عُد بعد ذلك كلِّه واسمعهم يقولون...

    : [فالآن، الخَلْقَويُّ أو التّكوينيُّ لا يستطيع أن يفسِّر لنا، لماذا هذه الطُّيور لها أجنحةٌ ولا تطير؟]


    بالإضافة إلى هذا كلِّه إخواني لاحِظوا مغالطةَ (الاستدلال الدّائريِّ) في الحديث عن أجنِحة الطّيور؛ الاستدلال الدّائريُّ مغالطةٌ معروفةٌ في عِلم المغالطات المنطقيَّة، يجعل فيها المدّعي برهانه مِن نفس الدّعوى التي يُريد بَرْهَنتَها، أي أنَّ الدَّعوى هي نفسُها النّتيجة.


    حين يقولُ هؤلاء أنّ هذه الأجنحة بلا فائدةٍ، ما الذي يجعلكم تحكمون أنّها بفائدةٍ أو بلا فائدةٍ؟

    سيقولون: مساعدتُها للحيوان على البقاء، حسب مفهوم الانتخاب الطبيعيِّ، هذه الأجنحة لا تساعد الحيوان، وبالتّالي فليس لها فائدةٌ، وبالتّالي فقد جاءت بها الصُّدف العمياء، لا بتصميمٍ حكيمٍ.

    -----------------------------------

    قال ليَ البطريق: حتى أعيش في الأجواء القطبيّة شديدة البرودة فإن جسمي مليءٌ بالدُّهون، وحتى أحافظ على هذه الدُّهون فلا بُدَّ لي مِن أنْ أنزل في الماء لأصطاد.


    لكن يا بطريق، كيف تستطيع أن تنزل بجسمك المليء بالشُّحوم والتي ستجعلكَ تطفو على الماء؟


    أجابني: أرأيت هذه الأجنحة التي قالوا أنّها بلا فائدةٍ؟

    تعال نر ماذا أصنع بها، انظُر إليّ وأنا أضربُ بها الماء فأغوصُ بسرعةٍ عاليةٍ عميقًا عميقًا في البحر، تمامًا كما الطّائرِ في جوِّ السّماء، انظر إليّ وأنا أستخدم أجنحتي لأتوجّه يَمنةً ويَسرًة كما أريد..


    لكنْ، كيف استطعت أن تَخرجَ من الماء بهذه السّرعة الصّاروخيّة؟


    أجابني البطريق: أرأيت هذه الأجنحة نفسها التي زعموا أنّها بلا فائدة؟

    إنّها مصمَّمةٌ بشكلٍ عجيبٍ؛ انظر إليّ ماذا سأفعل، سأصعد لأسبحَ وأتقلّب عند سطح البحر أوّلًا، أتدري لماذا؟ لأملأ ريش أجنحتي بفُقاعات الهواء، يساعدها على ذلك أنّ لديّ غُددًا تُفرز عليها مادّةً دهنيّة عازلَةً للماء، انظر إلى فُقاعات الهواء وهي تَتجمّع بين الرّيش.


    ثُمّ سأنزل في الماء مرة أخرى حتّى يقومَ الماء بضغْطِ أجنحتي وما حَوَته من هذه الفُقاعات، وهذا يقلِّل كثافة جسمي، فالآن أستطيع أن أصعد إلى سطح البحر بسرعةٍ هائلةٍ مطلقًا فُقاعات الهواء كأنِّي طائرةٌ نفّاثةٌ.

    وهذه الفُقاعات تُقلِّل احتكاك جسمي بالماء فتُسهِّل خروجي، فبأجنحتي نزَلتُ لأكسب عيْشي، وبأجنحتي أصعد.، ولولا أجنحتي التي زعموا أنّها بلا فائدةٍ لما عِشت أصلًا!

    {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلالٍ مبين}


    يعني افتَرَضوا أنّ خُرافة التّطوُّر صحيحةٌ، وبالتّالي فمِعيارها فيما له فائدةٌ وما ليس له فائدةٌ معيارٌ صحيحٌ -وهو مساعدته على البقاء-، فحَكموا بأنّ هذه الأجنحةَ بلا فائدةٍ لأنّها لا تُساعد على البقاء بزعمهم، وبالتّالي فلا خَلْقَ عن قَصْدٍ، إذَنْ فالتّطوُّر صحيحٌ!


    هذا هو الاستدلال الدّائري، وهو يشبه أنْ أقول لك:

    "أنا صادقٌ، وبما أنّي صادقٌ فإنْ قلتُ لك أنّي لا أكذب، فأنا صادقٌ في هذه الدَّعوى، وبالتّالي فأنا صادقٌ"؛ الدّليل مأخوذٌ من الدعوى نفسِها


    فنقولُ لهم: المنظومة الإيمانيّة المُنسجمة المتوافقة مع العلم الصحيح، الخاليةُ مِن مغالطاتكم تقول: أنَّ الخالق يخلق أشياء للجمال، فقال في أصنافٍ من الحيوانات: ﴿ولكُمْ فيهَا جمَالٌ حينَ ترِيحُونَ وحينَ تسْرَحُونَ﴾


    فحتى لو افترضنا أنّ أجنحة وذيولَ الطُّيور الجميلة كالطّواويس وغيرها لا تُساعد على البقاء، وحتّى لو افترضنا أنّكم اطَّلَعتم على أحاسيس هذه الطّيور ومُيولها الجنسيّة وأثبتُّم أنّها لا تُساعد في التّزاوج، فيكفي أنّها تدلُّ العقلاءَ على أنَّ لهذا الجمال خالقًا، فكيف عندما نرى أنّ هذه الأجنحة ليست مفيدةً جماليًّا لنا


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • أتباعِ الخُرافةِ، يتكلَّمونَ عن ما يسمُّونَهُ: أخطاءَ في تصميمِ الإنسانِ!

    كشَبَكِيَّةِ العينِ، وقناةِ السَّائلِ المَنَوِيِّ، أو عمَّا يَعتَبِرونهُ أعضاءَ زائدةً: كالزَّائِدةِ الدُّوديةِ، وعِظامِ العُصْعُصِ، وغيرها..


    كُلُّها أدلَّةٌ بديعةٌ على خلقِ اللهِ المُحكَمِ، يُحوِّلُها هؤلاءِ -بجهلٍ حينًا وبتجاهلٍ أحيانًا إلى أدلَّةٍ على الصُّدَفِيَّةِ والعشوائيَّةِ.


    هل سنُبَيِّنُ أنَّ هذهِ كلُّها أمثلةُ خَلْقٍ حكيمٍ بالفعلِ؟ نعم


    لكنْ قبلَ ذلكَ، ماذا أخِي وأختِي لو لمْ تَحضُر هذهِ الحلقةَ؟

    وماذا لو لمْ تعرفِ الجوابَ عنِ الأمثلةِ الَّتي يَذْكرونَها؟

    هل يكونُ أتباعُ الخرافةِ قدْ أحرجوكَ إلى أن تأتيَ بالجوابِ؟

    هل أنتَ المُطالَبُ بالإجابةِ عن هذهِ الأمثلةِ؟

    أم مُؤيِّدُ الخرافةِ هوَ المُطالَبُ بأن يفسِّرَ الإتْقانَ والإحْكامَ في الكونِ وكائناتِهِ تفسيرًا مُقنِعًا؟


    طريقةُ أتباعِ الخرافةِ هذهِ تُسمَّى في علمِ المُغالطاتِ المنطقيَّةِ: (تحويلَ عبءِ الإثبات)؛ الخصمُ يقولُ كلامًا سخيفًا يَضعُهُ في وضعٍ مُحرِجٍ لأنَّهُ يُناقضُ الحقائقَ الواضحةَ لكلِّ أحدٍ، فإذا بهِ يثيرُ معركةً جانبيَّةً بمطالبتِكَ بالإجابةِ عن أمرٍ فرعيٍّ، فيُحَوِّلُ الأضواءَ عنهُ وتتوجَّهُ الأنظارُ إليكَ بانتظارِ أن تَرُدَّ على سؤالِهِ!

    معَ أنَّ حقيقةَ الأمرِ أنَّكَ إنْ رددْتَ أمْ لمْ ترُدَّ، فإنَّ ذلكَ لا يغيِّرُ شيئًا من حقيقةِ أنَّ كلامَهُ سخيفٌ، وعدمُ امتلاكِكَ لجوابٍ عن سؤالِهِ لا يُعطي كلامَهُ هو أيَّةَ قيمةٍ.


    لذلكَ أخي، فليسَ صحيحًا عندما يُواجِهُكَ أتباعُ الخرافةِ بمثلِ هذهِ الأسئلةِ على سبيلِ التَّحدِّي أن تبحثَ حثيثًا عن وظيفةٍ لهذهِ الأعضاءِ كأنَّكَ مُلزَمٌ بالجوابِ وإلَّا أفحمَكَ!


    بلْ قُلْ لهم: اشْرَحوا لي بِدايةً عملَ الجهازِ الَّذي تتحدَّثونَ عن هذهِ الجزئيَّةِ فيهِ، مثلًا: حينَ يقولُ لكَ عرَّابُو الخرافةِ: "ترتيبُ خلايا شبكيَّةِ العينِ خطأٌ، الخلايا الحسَّاسةُ للضَّوءِ هيَ المخروطيَّةُ والعَصَوِيَّةُ، فكانَ يجبُ أن تكونَ إلى الأمامِ ليقعَ الضَّوءُ عليها مباشرةً، لكنَّها في الواقعِ إلى الخلفِ، وعلى الضَّوءِ أن يمُرَّ بخلايا لا علاقةَ لها باستقبالهِ، وهذا يدلُّ على أنَّ العينَ جاءتْ بالعشوائيَّةِ والصُّدَفِ"..


    حينَ تسمعُ هذا الكلامَ أخي فقبلَ أنْ تضيعَ الصُّورةُ الكلِّيَّةُ في التَّفاصيلِ، وقبلَ أن تكلِّفَ نفسكَ بالبحثِ عن جوابٍ، قُلْ لهم: اشْرحوا لي بدايةً عملَ الجهازِ الإبصاريِّ الَّذي تعْترِضونَ على جزئيَّةٍ فيه (ترتيبِ شبكيَّتِهِ)، فلا شكَّ أنَّكم لم تعْترِضوا إلَّا وأنتم تعلمونَ بتفاصيلِ هذا الجهازِ الإبصاريِّ، ولذلكَ اعْتَبرتُم أنَّ هذهِ الجزئيَّةَ فيهِ زائدةٌ أو فيها خللٌ، وأنَّ الصَّحيحَ أن تكونَ على نحوٍ آخرَ معيَّنٍ..


    دعهم يشرحونَ إنْ كانوا يعلمونَ!

    دعهم يحدِّثونكَ عنِ العينِ، عضلاتِها الَّتي تتحكَّمُ بِعَدَسَتِها بما يناسِبُ المرئيَّاتِ القريبةِ والبعيدةِ، والتَّغذيةِ العصبيَّةِ لهذهِ العضلاتِ، نوْعَي السَّائلِ اللَّازمَيْن فيها، خلايا الشبكيَّةِ المتنوِّعةِ (العُصَيَّات والمخاريط) الَّتي يوجدُ منها في كلِّ عينٍ أكثرُ من 100 مليونِ خليَّةٍ، والَّتي عَلِقَ في ذاكِرتي من أيَّامِ دراسةِ الدُّكتوراة بحثٌ يقولُ: "إنَّ تركيبَ أحدِها أعقدُ مِن أعقدِ مصنعٍ شيَّدهُ الإنسانُ!"


    دعهم يفسِّرونَ لكَ كيفَ يمكنُ للعشوائيَّةِ أن تُجمِّعَ ذرَّاتِ مركَّبِ (11-سيس ريتينال) "11-cis-retinal" بالشَّكلِ المناسبِ، بحيثُ يتغيَّرُ شكلُ هذا المركَّبِ عندَ اصطدامِ فوتوناتِ الضَّوءِ بهِ؟


    دَعْهُم يحدِّثونكَ عن تهيئةِ العينِ لِتلتقِطَ المجالَ المرئيَّ تحديدًا منَ الطَّيفِ الكهرومغناطيسيِّ بما مَكَّنَها من رؤيةِ الكائناتِ.


    دَعْهُم يُحدِّثونكَ عنِ: الُحزَمِ العصبيَّةِ المنبعثةِ منَ الشَّبكيَّةِ، النَّقلِ العصبيِّ، مراكزِ تفسيرِ الصُّورةِ في الدِّماغِ، تخزينُ الصُّورةِ في الذَّاكرةِ، أداءِ الجهازِ الإبصاريِّ لوظيفتهِ الَّتي يحتاجُها الإنسانُ على أكملِ وجهٍ حتَّى بلغتِ العينُ منَ الحساسيةِ أنَّها تستطيعُ الاستجابةَ لفوتونٍ واحدٍ -كما تذكرُ مجلَّةُ نيتشر "Nature"-.

    دعْهم يَشرحونَ إنْ كانوا يعلمونَ.. وانظر كيفَ يردُّونَ على أنفسِهم بأنفسِهم!


    فإنِ انتبهوا لجهلهم وإلَّا فذَرهُم في طُغيانهم يعمَهونَ، ففي أدلَّةِ التَّصميمِ من نفسِ الأجهزةِ الَّتي ادَّعَوا فيها خللًا كفايةٌ لِمَن أرادَ الهِدايةَ.


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • واقعُ السِّجلِّ الأحفوريِّ أنَّ لدينا عددًا ضخمًا جدًا منَ الأحافيرِ للكائناتِ المتمايزةِ، الَّتي نراها بيننا في الواقعِ هيَ هيَ كما هيَ، ولا نجدُ إلَّا أحافيرَ معدودة أقلَّ وضوحًا، فيُسارعُ أتباعُ الخرافة إلى التمسُّكِ بها كأنَّها لكائناتٍ انتقاليَّة، ومن ثم، فالحديثُ عن حفرية هنا وأخرى هناك

    لكائناتٍ يُدَّعى أنَّها وسيطةٌ هوَ أسخفُ منَ الحديثِ عن قرشٍ وشِلن كأدلَّةٍ على سرقةِ مليونِ دينارٍ.


    فكيفَ عندما نرى أنَّ العلمَ الصحيحَ لا يَلبثُ أن يُبطِلَ هذهِ المزاعمَ؟ كما رأينا نماذجَ من ذلك في حلقةِ: (في سبيلِ الخرافةِ)، أي قروشًا وشلناتٍ مغشوشةً ومزيفةً.


    داروين "Darwin" كان يُدرِكُ هذا، ولذلكَ ذكرَ أنَّ خرافتهُ تتطلَّبُ أن نجدَ عددًا لا حصرَ له من أحافيرِ الكائنات الانتقاليّة؛ لا حصرَ لهُ،


    وبعبارتهِ: أعداد لا حصرَها، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأبدى انزعاجهُ من عدمِ وجودِها، لكنَّهُ عوَّلَ على اكتمالِ السِّجلِّ الأحفوريِّ في المستقبلِ، تمامًا كما عوَّلَ المديرُ على احتماليَّةِ أن يكونَ (رياض) قد بلعَ مليونَ دينار.


    أحافيرُ كثيرةٌ جدًا للكائناتِ، الَّتي نعرفُ، ليسَ بينها شيءٌ ممَّا توهَّمهُ داروين، معَ أنَّهُ ينبغي أن تكونَ مغمورةً في بحارٍ من الكائناتِ الانتقاليَّةِ، ومعَ ذلكَ يعوِّلُ على اكتشافِ المزيدِ.


    بعدَ مئةٍ وثلاثينَ عامًا من تعويلاتِ داروين وأحلامهِ تجمَّعت أحافير لأكثرَ من (100) ألفِ نوعٍ من الكائناتِ، وأصبحَ غيابُ أحافير الكائناتِ الانتقاليَّة المزعومةِ أشدَّ مما كانَ أيامَ داروين، كما في هذا المقالِ الَّذي شقَّ

    طريقَهُ إلى نيويورك تايمز "New York Times".

    ----------------------------

    كَهَنةُ الخرافة يقولون: "لا خُطَّةَ خلق"، وفي الوقتِ ذاتهِ يبنونَ نصوصهم المسرحية على وجودِ هذه الخطَّة؛ يرسمونَ خطًّا بين كائنين، مع أنّ عبثيَّتهُم أشبه بالتفاعلِ الانشطاري لا بالخط المستقيم.


    لذلكَ إخواني فالمصطلحات الَّتي يستخدمها أتباعُ الخرافة، مثل: (حلقات وسيطة، وكائنات انتقالية)، هيَ مصطلحاتٌ مضلِّلةٌ؛

    فالوسيطة: تتوسَّطُ بين نقطتينِ محدَّدتين،

    والانتقاليَّة: تنتقِلُ إلى غايةٍ محدَّدة،

    في حين أن الصَّحيحَ أنَّ الخرافةَ تتطلَّبُ عددًا لا حصرَ لهُ من الأشكال العبثية لكائناتٍ كالفئرانِ مثلا، تتغيَّرُ على غيرِ هدى في كلِّ الاتِّجاهاتِ، قبل أن تتحوَّل بالصدفةِ وبطريقةٍ معجونيَّة إلى الشَّكلِ الذي افترضوا أنها تطوَّرت إليه.


    كلُّ هذا إخواني في نوعينِ من بينِ ما يُقدَّرُ بأكثرَ من ثمانيةِ ملايينِ نوعٍ منَ الكائناتِ، التي افترضَ داروين أنَّ لها أصلًا مشتركًا.

    ----------------------------

    تعالَوا الآنَ إخواني نراجعْ ظلُماتِ الخرافةِ وتضليلاتِ كهنةِ العلمِ الزائف، الَّتي تكلَّمنا عنها في الحلقةِ السابقة وحلقةِ اليوم. تعاملوا معَ الكائناتِ كلُعَبٍ معجونيَّةٍ ورسماتِ فوتوشوب "Photoshop"، ولم يُراعوا أجهزتَها الدَّاخليةَ وتشفيرها الوراثيَّ، وتجاوزوا حقيقة أنَّنا لا نرى على سطح الأرض أثرًا لتغيُّرات الكائنات عبثيًا في كل اتجاه،


    ونزلوا دونَ مبرِّرٍ من عالَمِ الشَّهادةِ المحسوسِ إلى الحفريَّات، ورسموا خطًّا لتحوُّلِ الكائنات، مع أنهم لا يعترفونَ بوجودِ خُطَّةٍ للخلق، وتحدَّثوا بعدَ ذلكَ عن قرش وشلن يعني حفريات كأَدلَّةٍ على سرقةِ المليون، وتجاهلوا العددَ الضَّخم جدًا من الحفريَّات للكائناتِ المتمايزةِ المعروفة بيننا على أرضِ الواقع، وما يتطلَّبهُ ذلك من أضعافِ أضعافِ أعدادها التي لا تُقارَنُ من حفريَّاتٍ انتقاليَّة حسبَ خرافتهم. وقروشهم، وشلناتهم، أي الحفرياتِ الَّتي يتعلَّقونَ بها، بعد هذا كلِّه مُزوَّرةٌ أو مُساءٌ تفسيرُها!


    إذا أدركْتَ ذلك أخي فستضحكُ مِلءَ الفَم عندما يقولُ لكَ أحدَ أتباعِ الخرافةِ: "اكتشافُ الحفريَّةِ الانتقاليَّة الفلانيَّة أثبتَ تطوُّرَ الزَّواحِفِ إلى طيور وحسَمَ الخلافَ وأغلقَ الملفَّ"، في استخفاف من الجهلِ أوِ التَّجاهل، وستضحكُ عندما تراهم يحتفون بأيَّةِ حفريَّة، ولن تُكلِّفَ نفسكَ أن تستمعَ إلى هُرائهم عنها.


    إذا أدركْتَ ذلك أخي عَلِمتَ معنى الجهلِ المركَّبِ والزَيفِ المركَّبِ وعَلِمتَ شيئًا من معنى قول الله -تعالى-: ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوق بَعْض، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاها وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [القرآن 24: 40]


    إذًا كانت حلقتُنا عنِ التَّهرُّبِ ممَّا يترتَّبُ ضرورةً على الخرافة.


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • في مقال للكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي "Noam Chomsky" بعنوان: "عشر استراتيجيات للتلاعب من قِبَل الإعلام" ذكر الكاتب عشرَ وسائل يستخدمُها الإعلامُ ليغسلَ بها عقولَ الشعوب، وذكر منها: "خاطبهم كأطفال" هذا ما يفعلُه أتباعُ الخُرافة حين يتكلَّمون عن تحوُّل كائنٍ إلى آخر كأنَّ الكائنات الحيةَ لعبةٌ معجونيَّة، يمكن إعادة تشكيلها لإنتاجِ شكلٍ مِن آخرَ كأنَّها رسمةٌ بالقلم على ورقة، أو رسمة ثلاثية الأبعاد تعمل فيها استطالة هنا وتقصير هناك، ببضع ضغطاتٍ على فأرة الحاسب ثُمَّ فجأة: إذا لدينا كائنٌ آخر، دون أيَّة مراعاةٍ لما تتطلَّبُه هذه التَّغَيُّرات الشكلية الخارجيَّة من تغيُّراتٍ ضخمةٍ جدًّا في الأجهزة الحيويَّة والتشفير الوراثي.

    .............

    تعالوا نأخذ مثالًا بسيطًا أقلَّ تعقيدًا، لن نتحدَّث عن تحوَّلِ نوعٍ من الكائنات إلى نوعٍ آخر مختلفٍ تمامًا في أجهزته الحيوية، بل عن تغيُّرٍ بسيطٍ في نفس الكائن: الزرافةُ التي يفترض داروين "Darwin" وأتباعه أنَّ رقبتها استطالت عبر الأجيال.

    داروين كان يرى -مثلَ لامارك "Lamarck" بأنَّ ذلك حصل نتيجة مدِّها عنقَها لتناول الورق، وأتباع داروين علموا أن ذلك خرافة فقالوا بدلًا منها: بل بالطَّفرات العشوائيَّة؛ طفراتٌ عشوائيَّة أطالت رقبتها وانتهت القصَّة.

    ............................

    تعالوا نر إخواني ماذا تتطلَّب هذه الاستطالة من تغيُّراتٍ على مستوى أجهزة الجسم، ولنأخذ فقط القلب والأوعية الدموية.

    المسافة بين القلب وأعلى رأس الزرافة تصل إلى (3) أمتار -يعني قريبًا من ارتفاع طابق-، ومن ثم فقلب الزرافة يجب أن يكون قويًّا جدًّا ليتمكَّن من ضخِّ الدم إلى هذه المسافة عكسَ الجاذبيَّة، وهو بالفعل كذلك؛ فوزن قلبِها قد يتجاوز 11 كيلوغرام، وطول قلبها حوالي 60 سنتيمترًا، وسُمك جدرانه 7.5 سنتيمتر، ومن ثم فهو يضخُّ الدم بقوَّةٍ شديدة إلى رأس الزرافة عكسَ الجاذبية.

    تخيَّل معي الآن عندما تنزل الزرافة رأسها لتشرب الماء، القلب يعمل مع الجاذبيَّة الآن، وهذا الضخُّ القويُّ يُفترَض أن يفجِّر عروقَ رأسِها، لكنَّ هذا لا يحدث لماذا؟ لأنَّ هناك آليَّاتٍ عديدة لمنع حدوث ذلك:

    - أوَّلًا: هناك صمَّامات على طول الشرايين السُّباتيَّة المغذِّية للدماغ تُبطئ من اندفاع الدم نحو الدماغ عندما تحني الزرافةُ رأسَها، لكن حتى مع هذه الصمَّامات، فإنَّ آخر دفقةٍ من الدم للدِّماغ كفيلةٌ بتفجير الشرايين الصغيرة الموصلة له

    - لذلك فلدينا آليَّة حمايةٍ ثانية: وهي أنَّ الدم لا يذهب للدماغ وشرايينه الصغيرة مباشرةً، وإنَّما إلى شبكةٍ من الأوعية الدمويَّة أسفل الدماغ تعمل مثل الإسفنج لتمتصَّ الصدمةَ، ثمَّ تتكفَّل بتوزيع الدم برفقٍ في دماغ الزرافة، هذه الشبكةُ من الأوعية الدمويَّة تتمدَّد لتستوعبَ كمِّيات الدم الزائدة، عندما تُنزِل الزرافةُ رأسَها هذه الشبكةُ معقَّدةٌ للغاية وتُسمَّى ريتي ميرابيلي "Rete Mirabile"، ويسمُّونها أيضًا: (The wonderful network) أي: (الشبكة الرائعة)، وهي بالفعل رائعة، وأُجْرِيَت عليها الكثير من الأبحاث العلمية.

    - الآلية الوقائيَّة الثالثة: هي وجود سبع صمَّامات في الوريد النازل من الرأس إلى القلب هذه الصمَّامات تمنع الدمَ النازل من الدماغ إلى القلب من الرجوع إلى الدماغ.

    هذه الآليَّات الثلاثةُ تحمي دماغ الزرافة من الانفجار عندما تحني رأسها لتشرب حسنًا، عندما ترفع الزرافةُ رأسها من جديد، ماذا يحدث؟ تنقبض الأوعيةُ الدمويَّة في الشبكة الرائعة (Rete Mirabile) في الوقت المناسب لتضخَّ الدم إلى الدماغ، والصمَّامات في الشرايين المتوجِّهة من القلب إلى الدماغ تمنعُ انزلاقَ الدم إلى الأسفل، فيأخذ الدماغ حاجته من الدم، ولا يصيبها الدوار.

    المشكلة العكسيَّة نُواجهها مع أرجل الزرافة، إذ أنَّه من المتوقَّع أن يتجمَّع فيها الدم وتنتفخَ الأرجل، لكنَّ ذلك لا يحصل، لأنَّها تمتلك جلدًا ثخينًا مشدودًا في ساقيها، مثلَ جوارب الضَّغط التي يستخدمُها بعض المرضى لمنع الدم من التجمُّع في الأطراف حتى وكالة ناسا "NASA" الفضائيَّة تدرس هذه الجزئيَّات في تصميم الزرافة، لتصمِّم أطقم جاذبية لرواد الفضاء.

    كل هذا تطلَّبه طُول عنق الزرافة، وهذا على مستوى الجهاز الدموي فقط، اقرأ إن شئتَ عمَّا يتطلَّبه طول عنقها في جهازها الهضمي والتنفسي والعصبي وغيرها.

    عندما تدرك ذلك أخي فستُدرك مدى الاحتقار للعقل البشري الذي يمارسُه أنصارُ الخرافة حين يعرضون لك رسمةً كهذه، أو كهذه، ريشٌ ينبت على أيدي الديناصور، ليستطيعَ التقاطَ البعوضةِ، في مهزلة دراميَّة، عيبٌ يا جماعة واللهِ، عيبٌ «إنَّ ممَّا أَدرَكَ الناسُ مِن كلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إذا لم تَستَحِ فاصنَعْ ما شِئتَ»

    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • رأينا في الحلقة الماضية أنَّ من أساليب أتباع خرافة التَّطوُّر: الخلط بين الحقائق والخرافة، حتَّى يمرَّ عليك هذا الخلط يحتاج بعض البهار مِن الإبهار؛ الإبهار برجالات خرافة التَّطوُّر؛ لذلك عندما تَسمع من بعض عرَّابي الخرافة من بني جلدتنا من يُمجِّد العلماء التَّطوُّريين: داروين "Darwin" كان وكان! فلانٌ عالمٌ عظيم! الآخر عالمٌ كبيرٌ جدًّا جدًّا! كَتبَ في هذه الظَّاهرة كتابًا من (600) صفحة! بحث في تلك الظَّاهرة (20) سنة! فلانٌ حاز على جائزة نوبل "Nobel"! والآخر على لقب سير "Sir" في العلوم! كذا بالمئة من علماء الطَّبيعة يؤمنون بنظريَّة التَّطوُّر... عندما تسمع مثل هذه العبارات، فهي كثيرًا ما تكون محاولاتٍ للطَّلب منك أن تؤجِّر عقلك لهم كأنَّه يقول لك: هم يعرفون أكثر منك، أذكياءٌ يفهمون أكثر منك، جهِّز نفسك، ستسمع كلامًا غريبًا، لكنْ عليك أن تقتنع به؛ لأنَّ القائل به هم هؤلاء العظماء! إذَا خالف كلامهم عقلك فلا تتَّهم صِدْقَهم أو صحَّة استنتاجاتهم، بل اتَّهم عقلك! لا تحاولْ أنْ تتأكَّد بالنَّظر في التَّجارب الَّتي منها وصلوا إلى استنتاجاتهم

    .......

    هل تُريدني أنْ أُلغيَ عقلي وأتَّبِعَهم على عمى؟! تريدني أن أُقلِّدهم في استنتاجاتهم مهما سَخُفت لأجل عِلمهم وألقابهم؟! أتعلمون إخواني-؟ تأجيرُ العقل هذا جريمةٌ ولو مارسْتَها مع مَن هو أعلم منك بالدِّين؛ مطلوبٌ منك اتَّباع العلماء؟ أي نعم، لكنْ ما تكلّموا بعلمٍ، ولا يَكتسبون يومًا قدسيَّةً تُصحِّح كلامهم دون هذا الشَّرط؛ ألم تر كيف ذمَّ الله -عزَّ وجلَّ أهل الكتاب بقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾

    هؤلاء الأحبار والرُّهبان كانوا أعلمَ بالدِّين ولا شكّ لكنَّهم لمَّا أحلَّوا الحرام وحرَّموا الحلال، وخالفوا المسلَّماتِ المعلومةَ بالضَّرورة الواضحة من نصوص الوحي لكلِّ عاقلٍ كان مِن الجريمة أن يؤجِّر لهم عامَّة النَّاس عقولهم، ويتَّبعوهم على باطلهم ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَـٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾

    ...........

    الانتفاع بحقائق علوم الطبيعة فتوفيقٌ وهدايةٌ ويحتاج سلامة القلب، وحُسن القصد كالعلم الشَّرعيِّ تمامًا؛ مثلما هناك أناسٌ يحفظون القرآن والسُّنَّة وأقوالَ العلماء ولا ينتفعون بها بل ويوظِّفون علومهم في تضليل النَّاس فهناك علماءُ طبيعةٍ لا ينتفعون بعلومهم بل ويوظِّفونها في تضليل النَّاس.

    ما السَّبب؟ هل هو خوفٌ من التحزُّب الدَّارويني؟ هل لأنَّ البديل لديهم دِينٌ محرَّفٌ غير مُقنِع؟ هل لعُقَدٍ نفسيةٍ أصابتهم من تصرُّفات الكنيسة في القرون الوسطى؟ هل هو حرصٌ على المناصب الأكاديميَّة؟ هل هو تربُّحٌ واكتسابٌ وصُعودٌ على ظهر الخرافة؟ هل هم يتظاهرون كذبًا أنَّهم مقتنعون بالخرافة؟ أم أنَّهم اتَّّبعوا أهواءهم فعَمِيَت بصائرهم حتَّى اقتنعوا بالخرافة بالفعل؟ لماذا يُظهرون إيمانًا بخرافة التَّطوُّر؟! ليس هذا موضوعنا الحالي، وإن كنَّا سنتعرّض لاحقًا للأسباب بإذن الله لكنْ مهما كان السَّبب لا تطلب منِّي أنْ أؤجِّر عقليَ لهم.

    لذلك فعندما يقول لك عرّابو الخرافة: "داروين بقي يؤلِّف كتابه (أصل الأنواع) (20) سنة!" فبدل أن تنبهر قل: "اللّهمّ إنِّي أعوذ بك مِن علمٍ لا ينفع"، إذا لم يكن مِن اللهِ عونٌ للفتى فأوَّل ما يقضي عليه اجتهادهُ، ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾

    .....

    لذلك إخواني وأخواتي عمَلُنا في هذه الحلقات ليس أن أحشِد لك أسماء العلماء الَّذين ينكرون خرافة التَّطوُّر، ومقولاتهم في ذلك، لن أقول لك: لا تؤجِّر عقلك لريتشارد دوكينز "Richard Dawkins" وتعال أجِّره لمايكل دانتون "Michael Denton" لأنَّه أعلم، أو أبحاثه أكثر، بل هم رجالٌ، ونحن رجالٌ.

    والعجب ممَّن يستخدمون هذه العبارة مع أئمَّة الإسلام ولا يستخدمونها مع ريتشارد وسام وجون... بل يريدوننا أن نؤجِّر عقولنا لهم! العجب ممَّن يقلِّل من شأن الإجماعات في العقيدة والتَّفسير ويجوِّز أن يكون علماء الأمَّة لـ(14) قرنًا قد أخطؤوا الفهم الصَّحيح بحُجَّة أنَّهم رجالٌ ونحن رجالٌ، ثمَّ هو طفلٌ مستسلِمٌ عالةٌ على علماء الغرب مؤجِّرٌ عقله لهم، وداعٍ غيرَه لتأجير عقولهم معه لهم!


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • ما يمارِسه مروِّجو خرافة التَّطوُّر بمهارة، الخلطُ بين المشاهدات والافتراض بين الحقائق والخرافة، ساعاتٌ من الشَّرح المستفيض عن تفاصيل الأحياء والاكتشافات والأبحاث، ثُمَّ ذِكْرُ الخرافة في الثَّنايا ليَسهُلَ بلعُها، ليبدو وكأنَّ الحقائق المذكورة وخرافةَ التَّطوُّر جزءان لا يتجزءان، حزمة، لا بدَّ من أخذهما سويَّةً،

    فتقولُ: "هذا الشَّخصُ كَلامُه علمي، ويتكلَّم بتجاربٍ وبملاحظاتٍ دقيقة" لكن حقيقةُ الأمر أنه حشر كذبةً أو سوء تفسير، وظَّف به كلَّ هذه المشاهدات في الاتِّجاه الخاطئ تمامًا. بغضِّ النَّظر عن إذا كان مقتنعًا بهذه الكذبة أم غير مقتنِع،

    لعلك تُناقِش أَحدَهم فيقول لك: ماذا تعرفُ عن طائر البرقش؟ ماذا تعرفُ عن سمك الجابي؟ عن السَّحالي الإيطاليَّة؟ عن مقاومة البكتيريا للمضادَّات؟ وعن البكتيريا الهاضمة للسَّيْترات؟

    تَسألُه: ما لها هذه الأمثلة؟

    فيقول لك: هذه كلُّها حَصَل لها تطوُّر صغرويٌّ "micro evolution" نراه أمام أعيننا، طفرات عشوائيَّة في المادَّة الوراثيَّة أنتجت بالصُّدفة صفاتٍ نافعة للبرقش، سمك الجابي، السَّحالي، البكتيريا، فأصبحت أكثر قدرة على التَّكيُّف في بيئةٍ ما، فحَصَل لها انتخابٌ طبيعيٌ

    وهذا كلُّه في زمن محدود، ومن ثم فمع مئات ملايين السنين يمكن أن تكون البكتيريا قد تطوَّرت إلى كل أنواع الكائنات الحيَّة بالطَّفرات العشوائيَّة أيضًا،

    أي إذا أثبتنا حدوث التَّطوُّر الصُّغروي "micro evolution" في بضع سنين، فيمكننا تصوُّر أن يحدث التَّطوُّر الكبرويُّ "macro evolution"، الذي يَنْتُج عنه أنواعٌ مختلفةٌ من الكائنات في مئات ملايين السنين.

    ويُفيض صاحبنا في شَرْحِ التَّغيُّرات التي حَصَلت في تراكيب هذه الكائنات ثُمَّ يقول لك: لا تعرفُ عن هذه الأشياء وتأتي لتُنَاقش في التَّطوُّر يا جاهل!

    حتى تُحِسَّ أنَّك تتضاءل أمام هذا العالِم الذي يعرف أكثر منك بكثير، وأنَّه بنى قناعاته على علم. وعند التَّفحُّص العلمي تُفَاجَأ أنَّه وببساطة يكذبُ أو مكذوبٌ عليه، فكلُّ ما حشده من أمثلةٍ ليُوهِمَك أنَّها أمثلة على طفراتٍ عشوائيَّة وافقت البيئة بالصُّدفة، إنَّما هو في الحقيقة حسب الأبحاث العلميّة أمثلةٌ على التَّكيُّفِ بآلياتٍ دقيقة التَّصميم لا مكان فيها للعشوائيَّة أبدًا؛

    فتجد في هذه الكائنات وفي مادَّتها الوراثيَّة وطريقة قراءتها القدرةَ على تغيير خصائصها؛ لتتأقلم مع التَّغيُّرات البيئيَّة بطريقةٍ دالةٍ على أنَّها وبيئتَها من تصميم عليمٍ، قديرٍ، حكيمٍ، قيومٍ على خَلْقِه، كما رأينا بوضوحٍ إخواني في حلقة البكتيريا الهاضمة للسَّيْترات، وكما سنشرح أكثر لاحقًا بإذن الله عن الأمثلة الأخرى التي يذكرونها.

    في حين يدّعي متَّبع الخرافة أنَّها طفراتٌ عشوائيَّة، أي أنه بَهَرَكَ بكثرة الأمثلة، وكذبَ في محلِّ الشَّاهد تحديدًا، وحقيقةُ الأمر أنَّ كلَّ ما ذكره من أمثلة حجةٌ لك لا عليك.

    خطأٌ كبيرٌ يقع فيه حتَّى بعضُ المعارضين للخرافة أنَّهم يقولون: "نحن لا نُنْكر التَّطوُّر الصُّغروي، لكنَّنا نُنْكر التَّطوُّر الكبروي، الذي يحوِّل كائنًا إلى نوعٍ آخر من الكائنات، فالبكتيريا تطوَّرت، لكنَّها بقيت بكتيريا، وعصافير داروين "Darwin" تطوَّرت، لكنَّها بقيت عصافير"

    لا إخواني، لا، التَّطوُّر هو تغيراتٌ عشوائيَّة وانتخابٌ طبيعيٌّ ترقيعيٌّ أعمىً، هكذا يُعرِّفونه، وهذه هي دلالة المصطلَح عند أصحابه، فعندما توافقهم على ما يسمُّونه التَّطورَ الصُّغرويَّ، أنت تقرُّ بأنَّ العشوائيَّة تُكْسِبُ الكائنات خصائصَ نافعة، وهو أمر باطلٌ عقلًا وعِلْمًا،

    وكلُّ الأمثلة التي يوردونها هي على تكيُّفاتٍ بديعةٍ دقيقةٍ لا مكان فيها للعشوائيَّة أبدًا، فليست ماكرو ولا مايكرو ولا نانو ولا فيمتو تطوُّر.

    الخلط بين الحقِّ والباطل طريقةٌ قديمةٌ أنكرها الله تعالى على أهل الكتاب، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [القرآن 3: 71]. وهكذا هؤلاء، يخلِطون الحقائق بباطلِ الخرافة ويكتمون الحقائق التي تهدم خرافتهم.

    بالإضافة إلى ذلك يتمُّ خلط المشاهدات الكونية الدَّالَّةِ على الله بالشَّهوات، فلا تكاد ترى فيلمًا وثائقيًّا إلا ويُحشَر فيه مشاهد تستدعي الغرائزَ وتَحْرِف العقل، وكأنَّه من وحي الشَّيطان إلى أوليائِه؛ حتَّى لا يتسرَّب الإيمان إلى القلوب عند مشاهدة بدائع الخلق، ولا يتحرَّكَ اللِّسان بقول:﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [القرآن 3: 191] بل تطغى الشَّهوة وتَسْتَحكِم الغفلة باستحضارِ هذه المشاهد.


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • كُرةٌ كبيرةٌ بدأت بنَواةٍ صغيرةٍ، تدحرَجت في حقلِ قشٍّ حتى كَبُرتْ. النَّاظرُ إليها يظنُّها شيئًا كبيرًا، وهي في الحقيقةِ قشٌ، وغُثاءٌ، وورقٌ يابسٌ، وهباء.

    هكذا هي خُرافة التَّطوُّر. هكذا هي خُرافة أنَّ الكائنات جاءت بمجموع الصُّدف، دون قصدٍ ولا تصميمٍ سابِق.

    أركانٌ خُرافيةٌ تُناقض العقل والعِلْم تحالفت مع طُرُق استدلالٍ باطلةٍ، فتكوَّنت من هذا الثُّنائيّ نَواةٌ تدحرجت عبر قرنٍ ونصف في حقل المشاهدات الكونيَّة؛ فأنتجت كرةً كبيرةً.

    عندما يتكلم أنصارُ الخُرافة عن حفريّة هنا، أو عضوٍ بلا وظيفةٍ هناك حسب ما يزعمون فهذا كله قشٌّ.

    لن ننشغل بهذا القشِّ قبل أن نُفَكِّكَ النَّواة.

    في حلقة (نظريَّة داروين بإنصاف)، ثم حلقة (عنزة ولو طارت)، فكَّكْنا الأركان الخُرافيَّة، وبيَّنَّا لماذا هي خُرافيَّة.

    بقي علينا أن نفكِّك طُرُق الاستدلالِ الباطلة المُتحايِلة، التي جذبت المشاهدات الأحيائيّة والحفريَّة، وجمَّعتها على الأركانِ الخُرافيَّة.

    بقي علينا أن نبيِّن كيف استطاع كهنة العلم الزَّائف أن يحوِّلوا حقائقَ الخَلْق التي تَقصِمُ ظَهر خُرافتِهم إلى أدلَّةٍ تدعمُ خُرافتَهم في عيونِ البعض.

    سنضعُ عناوينَ مُرتَّبة، وقواعدَ للتَّفكير، أسسًا نبني عليها. من الممكن أن تستمع إليّ؛ فتقتنع، ثم تستمعَ لأحد أتباع الخُرافة، أو مُحاولي أَسْلَمَتِها؛ فتقتنعُ أيضًا، وتتضايق من نفسك، أنْ كلمةٌ تأخذك وكلمةٌ تردُّك، ولستَ قادرا على تمييز الحق من الباطل، ولا أن تبنيَ قناعةً راسخةً بشيء،

    في حين أنّا عندما نتعلمُ معًا قواعدَ التفكيرِ السليم، فسوفَ تصبحُ عندك قدرةٌ على التَّمييز بين من يسير كلامُه بالاتِّجاه الصَّحيح، فتَتعزَّز قناعتُك على نورٍ كلما سمعت له أكثر، وتزدادُ هدًى وطمأنينةً -بإذن الله-،

    وسترى في المقابل الكلام الذي يُضلِّلُ العقل و يُفسدهُ، ويتظاهرُ مع ذلك أنه يخاطبهُ ويحترمهُ، حتى تَعلمَ أنه ليس كلُ دليلٍ دليلًا حقًّا؛ ﴿قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِۚ فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾


    هناك كمِّيةٌ هائلةٌ من المناقشات والرُّدود موجودةٌ في الكتب وعلى الإنترنت، وهناك جهدٌ كبيٌر بذله المتكلمون في نقد خُرافة التَّطوُّر، لكن على بعضه مَآخِذ، والبعض الآخر نفيس، لكنه شذرات ذهب متفرِّقة.

    في محورنا هذا- تفكيك نَواة كرة القش- نحاول أن نضع إطارًا نظريًّا، وترتيبًا منطقيًّا؛ لمناقشة الموضوع.

    نريد أن نرى أباطيل الاستدلال، ونرتِّبَها تحت عناوين محصورة؛ فبعد ذلك عندما تسمع لأي شخصٍ، تسأل نفسك: هل هذا استدلالٌ صحيحٌ أم باطل؟ وإن كان باطلًا، فَتَحْتَ أيُّ عُنوانٍ من عناوين الاستدلال الباطل يقع؟

    قد تستمع مُطوّلا لشخصٍ ما، يَحشُد لك الكثير من الأدلَّة المُفترضة على صَّحة الخُرافة، ثم بالتَّدقيق، تُفاجَأُ أنها كلَّها أمثلةٌ على نوعٍ واحدٍ من الاستدلال الباطل.

    كان يُمكن للقرآن أن يُبيِّن أدِلَّة وجود الله وأدِلَّة صفاته ويكتفي؛ لكنَّه مع ذلك فصَّل في طُرُق أهل الباطل، وحِيَلِهم لترويج باطلهم. ﴿وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾.

    الإنسان صاحب العقل السَّليم والقلب السَّليم سيكتفي بذلك دليلًا على حقيقة الخَلْق الإلهي عن قصدٍ وإرادةٍ.

    هذه الحقيقة الكونيَّة العُظمى الواضحة البَدَهِيَّة، كيف أصبَحَتْ مَحلَّ شكّ؟! ما التَّضليل والتَّجهيل الذي مارسه أتباع الخُرافة باسم العِلْم حتى يُعَمُّوا العقل عنها؟

    كيف استطاعوا أن يُقنعوا عددًا من الشَّباب بأسخف وأغبى فكرةٍ في التاريخ؟ أنَّ الكائنات جاءت بمجموع الصُّدف، دون قصدٍ، ولا علمٍ، ولا إرادة

    كيف يُمارَس إعدام العقل باسم العقل، وتزييف العِلْم باسم العِلْم؟

    كيف تُغْسَلُ الأدمغة عُمومًا؟

    هذا ما سنراه في حلقاتنا القادمة بإذن الله،

    سترى كيف أن الَّذي يريد إعطاء كورس "Course" أو دورة في المغالطات المنطقيَّة والألاعيب النَّفسية عمومًا، فما عليه إلا أن يختار خُرافةَ التَّطور وما فَعَله كَهنَتُها لترويجها، وسيجد كل المغالطات والألاعيب حاضرةً متوافرةً في هذا الموضوع.


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • في الحلقتين الماضيتين، رأينا كيف أسَّس داروين عناصر خُرافته على شفا جرُفٍ هارٍ، وبنى عليها أنصارهُ من بعده؛ فَانْهار بهم في مزيدٍ من مصادمة العقل والعلم، فالمسألة ليست أخطاءً صُحِّحت وثغراتٍ سُدَّت، بل خروقٌ وُسِّعت، و(عنزةٌ ولو طارت)، وما زادتِ التَّعديلاتُ النَّظريَّةَ إلَّا خُرافيَّةً ومصادمةً للاكتشافات. يقولون لك: لكنْ، هذه النَّظريَّة عليها أدلَّةٌ، وقد جاء مَنْ بعد داروين ليحشدوا المزيد مِن الأدلَّة تعالوا نرَ مجموعات (الأدلَّة المزعومة)!

    - أولًا: الأحافير

    حسب داروين، فإنَّ الكائنات الحيَّة تطوَّرت من أصلٍ مشتَرَكٍ أو أصولٍ قليلةٍ بتدرُّجٍ بطيءٍ، ومن ثم يُفترَض أن نرى ذلك التَّدرُّج على أرض الواقع، لكنَّنا نجد بينها في الحقيقة تمايزًا كبيرًا، وفجَواتٍ هائلةً، وحدودًا عازِلةً، فأين الكائنات الانتقاليَّة بين الزَّواحف والطُّيور مثلًا؟ لا وجود لها على أرض الواقع. أَقرَّ (داروين) بأنَّ هذا يناقض خيالاته، فعوَّض عن ذلك بتخيُّل أنَّ هذا التَّدرُّج والكائنات الانتقاليَّة كانت موجودةً في الماضي، ومن ثم يجب أنَّ نجد أحافيرها وأجسامها المتحجِّرة تحت الأرض.

    ثانيًا: وجد (داروين) أنَّ الكائنات الانتقاليَّة ليست (لا حصر لها) كما تُحتِّم خُرافته؛ بل لا وجود لها، ومن ثم فكلُّ الأدلِّة كانت ضدَّ افتراضات (داروين) هل جَهل (داروين) ذلك؟ لَمْ يجهله ولعلَّ البعض يظنُّ أنَّ هذه الاكتشافات جاءت بعد (داروين)، والحقُّ أنَّها مِن أيَّامه وقد تكلَّم باستفاضةٍ عن كائنات (العهد الكامبري)، وتساءل أيضًا عن غياب الكائنات الانتقاليِّة قائلًا: "بما أنَّه حَسْبَ هذه النَّظريَّة فإنَّه لا بدَّ أن تكون قد وُجِدت في الماضي أشكالٌ لا حصر لها مِن الكائنات الانتقاليَّة، فلماذا لا نجدها مدفونةً بأعدادٍ لا حصر لها في طبقات الأرض؟" ممتازٌ، إذن، استيقظتَ مِن أحلامك يا (داروين)؟ لا، بل لا بدَّ للخرافة أنْ تستمرَّ بدل أن يُعنوِنَ (داروين) اعترافاته هذه بعنوان: (السجلُّ الأحفوريُّ يخيِّب أحلامي كما خيَّبها ما فوق الأرض) عَنْوَنها في كتابه بعنوان: (عدمُ اكتمالِ السِّجلِّ الأحفوريِّ).

    -----------------------------

    الدّليل الثّاني: بصمات الصُّدفة في أعضاءٍ لا فائدة منها

    كان داروين في كتابه (تحدّر الإنسان)، الّذي نشره بعد (أصلِ الأنواع)، قد ذكر أمثلةً عديدةً على أعضاء ضامرةٍ غير مفيدةٍ في جسم الإنسان كدليلٍ على التّطوُّر وسمّاها (الأعضاء الأثريَّة)، مَنْطِقُهُ في ذلك: أنَّ هذا الإنسان ما دام قد جاء بمجموع الصُّدف، فإنّ الصُّدف ستكون قد تركت بَصْمَتَها في منتجاتها: بقايا تطوّريّةً، وآثارًا مِن الأسلاف والجدود الحيوانيّة، الّتي لم يَعُد لها وظيفةٌ في جسد الإنسان، وكأنّ (داروين) قد فتح بذلك بابًا فأسرع أنصارهُ يتدافعون فيه يُنقّبون جسم الإنسان ويمحِّصُونه جزءًا جزءًا بحثًا عن أخطاء!

    الدّليل [الثالث] -والّذي اعتمد عليه داروين كثيرًا: وجود بعض التّشابهات الشَّكليَّة في الشّكل الخارجيّ، والتّشابهات التشريحيّة بين بعض الكائنات الحيّة

    اعتبار الشَّبَه دليلًا على وَحْدة الأصل ليس مقدّمةً علميّةً، ولا منطقيّةً ويكفي في إبطال دلالته ظاهرة التَّشابهات الشّديدة بين الحيوانات (المشيميّة) وشبيهاتها (الجِرابيّة).

    الدّليل [الرابع]: التّشابه الجنينيُّ


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • السَّلامُ عليكُم إِخوانِي وأخواتِي

    هذا المقطعُ مكمّلٌ لحلقةِ "عنزةٌ ولوْ طارَتْ"، وهيَ الحلقةُ (22) مِن رحلةِ اليقينِ.

    أتباعُ الخرافةِ يقولونَ لكَ: مُحرِّكُ التَّطوّرِ هو عمليَّاتٌ عشوائيَّةٌ أهمُّها الطَّفراتِ في المادَّةِ الوراثيَّةِ.

    البكتيريا مثلًا، يقولونَ: "طوَّرَتْ صِفةً جديدةً نافعةً لها بالطَّفراتِ العشوائيَّةِ في زمنٍ محدودٍ، ومن ثَمَّ، فمعَ ملياراتِ السَّنواتِ يُمكِنُ أنْ تكونَ البكتيريا قد تطوَّرَتْ إلى كلِّ أنواعِ الكائناتِ الحيَّةِ بالطَّفراتِ العشوائيَّةِ أيضًا".

    سنؤجِّلُ مناقشةَ ملياراتِ السَّنواتِ هذه ومدى صحَّتِها، وسنؤجّلُ افتراضَ أنَّه إذا ثبتَ أنَّ العشوائيَّةَ تعطي البكتيريا صفاتٍ نافعةً، فإنَّ هذا يعني إمكانيَّةَ أنْ تتحوَّلَ بالعشوائيَّةِ أيضًا إلى كلِّ الكائناتِ التي نرَى، سنؤجِّلُ هذا ونركِّزُ على أصلِ الموضوعِ. هل تُطوِّرُ البكتيريا صِفاتٍ جديدةً نافعةً لها بالعشوائيَّةِ حقًّا؟

    أشهرُ تجربةٍ يستدلُّونَ بها على ذلكَ هي تجربةُ رِيتشارْد لِينسْكي "Richard Lenski" على البكتيريا المعويَّةِ إِسشيريشيا كولاي "Escherichia Coli" أو اختصارًا إيكولاي "E. Coli"، التي قامَ فريقُ لينسكي بتنميَتِها مَخبريًّا. وأكثرُ ما يركِّزونَ عليهِ في هذه التَّجربةِ، هو أنَّ بعضَ هذه البكتيريا استطاعَتْ بعدَ مرورِ سنواتٍ طويلةٍ على تنميتِها، أنْ تلتقطَ مادَّةَ السّيتراتِ "Citrate" لتتغذَّى عَليها.

    ما قِصَّةُ السّيتراتِ؟ بكتيريا الإيكولاي كأيِّ كائنٍ تحتاجُ إلى الغذاءِ. افترضْ أنَّ أمامَها جلوكوز "Glucose" وسيترات "Citrate"، أيَّهما ستستعملُ غذاءً؟ إذا كانَت البكتيريا موجودةً في مكانٍ فيهِ أوكسجين، كأمعاءِ الإنسانِ، فإنَّها تتغذَّى على الجلوكوزِ ولا تتغذَّى على السيتراتِ؛ لديْها النَّواقلُ اللَّازمةُ لإدخالِ الجلوكوز عبرَ غشائِها، وليسَ لديها النَّواقلُ اللَّازمةُ لإدخالِ السّيتراتِ.

    لينسكي وضعَ هذِه البكتيريا في أنابيبَ مخبريَّةٍ، زوَّدَها بالجلوكوزِ والسّيتراتِ، وكانَ ذلكَ كلُّه في وجودِ الأوكسجين، إذنْ يُفترَضُ أنْ تتغذَّى على الجلوكوزِ فقطْ، معَ ذلكَ، تفاجأَ لينسكي بأنَّ هذه البكتيريا في إحدى مجموعاتِ الأنابيبِ، وبعدَ مرورِ سنواتٍ طويلةٍ نمَتْ وزادَ عددُها بشكلٍ سريعٍ، أسرعَ منَ الأنابيبِ الأخرى، بحثَ عن السببِ، فوجدَ أنَّها استطاعَت تناولَ وهضمَ السّيتراتِ، إضافة إلى الجلوكوزِ، ونشرَ نتائجَه هذِه.

    ماذا استنتجَ أتباعُ الخرافةِ؟ استنتجوا أنَّ البكتيريا طوّرَتْ بالطّفراتِ العشوائيَّةِ النَّواقلَ اللَّازمةَ لنقلِ السّيتراتِ عبرَ غشائِها، لتهضمه بعدَ ذلكَ. ومن ثم، فها هيَ الطَّفراتُ العشوائيَّةُ تضيفُ صفةً جديدةً للبكتيريا تساعدُ في تطوُّرِها، وكلُّ هذا في بضعةَ عشرَ عامًا. ومن ثم، بمرورِ ملياراتِ السّنواتِ يمكنُ ألّا تكونَ البكتيريا قد طوَّرت صفاتٍ جديدةً فقطْ، بلْ وتطوّرَت إلى كائناتٍ جديدةٍ، وهذه تطوّرَت إلى غيرِها، إلى أنْ نتجَت عندَنا هذه الملايينُ مِن أنواعِ الكائناتِ الحيَّةِ، وكلُّ ذلكَ بفضلِ الطَّفراتِ العشوائيَّةِ التي انتخبَت منها الطبيعةُ.

    بعدَما طارَ أتباعُ الخرافةِ فرحًا بالتَّجربةِ، اصطدمُوا بالجدارِ؛ عامَ (2012) نشرَ لينسكي صاحبُ التجربةِ نفسِهَا في مجلّةِ نَايْتْشرْ "Nature" ما حصلَ بالضَّبطِ في هذه البكتيريا. إنَّه مضاعفةُ الجينِ، التي تقرصنَت على بروموترْ ينشطُ بوجودِ الأوكسجين لإنتاجِ ناقلٍ للسيترات كانَ موجودًا أصلًا ولكنَّه غيرُ مفعّلٍ. ووضّحُوا ذلكَ بهذا الرَّسمِ المهمِّ.

    لو مثّلنَا بكتيريا الإيكولاي بهذا الشكلِ، وهذا جزءٌ مّن مّادَّتِها الوراثيَّةِ (الجينوم "Genome"). هذه البكتيريا في العادةِ إذا كانَت في مكانٍ فيهِ أوكسجين، فإنَّها تلتقطُ الجلوكوز، ولا تلتقطُ السّيترات كما قلنَا، لأنَّ الجلوكوز يُنتِجُ لها طاقةً أكثرَ من السّيترات.

    حسنًا، كيفَ تمكّنَتْ من التقاطِ الجلوكوز دونَ السّيترات؟ هناكَ موضع في جينوم ِالبكتيريا اسمُها برُومُوتَرْ "Promoter"، تتجمّعُ عندَها قارئاتٌ لتقرأَ الجينومَ بهذا الاتِّجاهِ إلى اليمينِ وبعدَ عمليَّاتٍ مُعقَّدةٍ، تُنتجُ بروتيناتٍ مُعيَّنةً مثلَ نواقل غلوكوز. الأوكسجين يُنشِّطُ هذا البروموتر في حين يُثبِّطُ هذا البروموتر، أي يمنعُ القارئاتِ من قراءةِ جين ناقلِ السّيترات. ومن ثَمَّ لنْ تستطيعَ البكتيريا في وجودِ الأوكسجين أنْ تستفيدَ مِن السّيترات. في تجربةِ لينسكي، كانَت البكتيريا تنمو إلى أنْ تستنفد الجلوكوز.

    البكتيريا بشكلٍ عامٍّ كائناتٌ في منتهى المرونةِ، موجودةٌ في كلِّ مكانٍ، تحلّلُ الجثثَ، تنظّفُ كوكبَ الأرضِ، هذِه مَهمّتُها، فتستطيعُ التَّأقلمَ معَ الظُّروفِ المختلفةِ.


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

  • أبرزُ التَّعديلات التي أجراها أتباع (داروين) على عناصر نظريته هي محاولة الجمع بين (الانتخاب الطبيعي)، و(مبادئ الوراثة الجينية) أي أنهم أقرُّوا بأنَّ الاستعمال والإهمال لا يُكسبانِ الكائنَ صفاتٍ غيرَ تلك الموجودة أصلًا في المادة الوراثية لأبويه، فالزرافة مثلًا لم يستطل عنقها عبر الأجيال لأنَّها مدَّته للأكل من أعالي الأشجار، كما أقرُّوا بأن الصِّفات المُكتسبة لا يورِّثها الكائن لأبنائه، خلافًا لطروحات (داروين) ولامارك "Lamarck".

    إذن ما سبب التغيُّرات المزعوم أنَّها حدثت في الكائنات، وكانت المادةَ الخام للانتخاب الطَّبيعي؟

    قالوا: عوامل عديدة، أهمُّها الطَّفرات العشوائيَّة التي قد تقع في المادة الوراثيَّة بفعل الحرارة، موادَّ كيميائيَّة، أشعَّة كونيَّة، هذه الطَّفراتُ أحدثتِ التغيُّراتِ التدريجيَّة البطيئة المتراكمة التي افترضها (داروين)، والطَّبيعةُ قضت على الكائنات التي حدثت فيها طفرات ضارَّة، وأبقت على الكائنات ذات الطَّفرات المفيدة، كمرحلةٍ انتقاليةٍ إلى كائنٍ جديد، وسمَّوا هذا النَّموذج المعدَّل بـ(الداروينيَّة الجديدة) نيوداروينزم "Neo-Darwinism"، أو (النظريَّة التركيبيَّة الحديثة)، التي ساهم في صياغتها دوبنجانسكي "Dobzhansky" وفيشر "Fisher" وماير "Mayr" وهكسلي "Huxley" وغيرهم.

    - قالوا ايضا : أولا: كائنٌ بسيطٌ تكوَّن تلقائيًّا من الجمادات

    أَدرك من بَعدَ (داروين) أنَّه ليس هناك شيءٌ اسمه كائنٌ بسيط؛ فقد أظهرت المجاهرُ الإلكترونية أنَّ الخليَّة الحيَّة وهي أصغر وحدة بناء، وهي التي كان يراها داروين كلطخة هي في الحقيقة أعقد من أعقد مصنعٍ شيَّده الإنسان، وعملوا مقاطع مرئيّةً ثلاثيَّة الأبعاد؛ لتصوير روعتها، فهل كان ما اكتشفوه من تعقيدِ وإبهارِ وروعةِ تصميم الخليَّة سببًا في الاعتراف بأنَّه لا بدَّ لها من خالقٍ أوجدها بعلمٍ وإرادة، ليصحِّحوا خطأ (داروين) هنا؟

    بل خلاصة أقوالهم هو الرُّجوع إلى قول (داروين) أنَّ الحياة نشأت تلقائيًّا من الجمادات، في رِدَّةٍ علميَّةٍ عن الحقيقة المقررة عقليًا، التي أثبتها تجريبيًّا أيضًا لويس باستور "Louis Pasteur"، بل وفرانسيسكو ريدي "Francesco Redi" قبل أربعة قرونٍ من الآن؛ أنَّ الحياة لا تنشأ تلقائيًّا من الجمادات رجَعوا إلى خرافة (داروين) في النُّشوء التِّلقائي، لكن بدل قول (داروين) أنَّ الكائن الأوَّل نشأ تلقائيًّا في (بِركَة)، قالوا: نشأ في (محيط) مع موسيقا وتصوير لإشعارك بهيبة هذه الخيبة، رجعوا لخرافة (داروين) لكن كانوا في ذلك أجهل منه؛ لأنَّ ما رأوه من تعقيد الخلايا أعظمُ ممَّا رآه (داروين).

    - الرُّكن الثاني لنظريَّة (داروين): طبيعةٌ تُكسب الكائنَ صفاتٍ جديدةٍ بالاستعمال والإهمال كمثال الزَّرافة.

    ظهرَ بطلانُ هذه الخرافة، فاخترعوا بدلًا منها خرافةً أكثر هزليَّة، خرافة أنَّ الطَّفرات العشوائيَّة أي تراكماتِ الأخطاء هي التي أبدعت الكائنات بما فيها من جَمالٍ، وتناسقٍ، وتنوُّعٍ، وتصميم، أي أن تخريب المادَّة الوراثيَّة لكائنٍ ما بفعل الأشعَّة أو السُّمومِ مثلًا، أنتجت منه بعد محاولاتٍ كثيرة كائنًا آخر أرقى، متناسقًا متكامل الأعضاء، وهكذا إلى أن وصلنا إلى ما نرى مِن أكثرَ من (8) ملايين نوعٍ من الكائنات المتناسقة المتكاملة في هذه الأرض.

    حتَّى لا يقع أتباع الخرافة في مثل هذا الموقف المحرج مرَّةً أخرى اضطَّروا إلى صناعة أكبر كذبةٍ في تاريخ العلوم الحياتيَّة وهي تسميَّة (التَّكيُّفات) بـ(التَّطوُّر الصُّغروي) "Microevolution"، أي ادِّعاء أن التَّكيُّفات، التي في غاية في الدِّقَّة والرَّوعة والإحكام، تحدث نتيجة طفراتٍ عشوائيَّة وألَّف (دوكينز) كتابه: "أعظم استغباء…" عفوًا، "أعظم استعراض على سطح الأرض: أدلَّة التَّطوُّر" الذي يكذب فيه على قرَّاءه وهو دكتور (بالإنجليزية) الأحياء التَّطوُّريَّة فيحشد أمثلة للتَّكيُّفات البديعة، المشتملة على تفعيل جيناتٍ موجودةٍ أصلًا، على أنَّها ماذا؟ على أنَّها طفراتٌ عشوائيَّة، في كذبٍ سمجٍ مفضوح.

    الرُّكن الثَّالث لنظريَّة (داروين): هو توريث الصِّفات المكتسبة بالاستعمال والإهمال

    فالدُّب الذي اتَّسع فمه سنتيمترًا واحدًا ليلتقط به الذُّباب أثناء استجمامه في البحر، ورَّث هذا السنتيمتر لأولاده إلى أن اتَّسع الفم أكثر فأكثر، وتحوَّل دبُّنا إلى حوت وهذا كلُّه عن طريق الجيميولز "Gemmules" التي اقترح (داروين) أنَّ كل خلايا الجسم تفرزها؛ لتؤثِّر على الخلايا التناسليَّة وسمَّاها بنظريَّة بان جينيسيس "Pangenesis".

    الرُّكن الرَّابع لنظريَّة (داروين): هو تغيُّراتٌ طفيفةٌ تدريجيَّةٌ متراكمة تقود من كائنٍ إلى آخر بالانتخاب الطبيعي الذي يعمل بطريقة طائرة العميان، كما شرحنا في الحلقة الماضية


    Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.